أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَهَبَ لِلنَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ حَيَاتَيْنِ.أَوَّلُهُمَا في دَارُ الْاِمْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا و َتَنْتَهِي بِالْمَوْتِ لِتَبْدَأَ بَعْدَهَا الْآخِرَةُ. فَالْمَوْتُ لَيْسَ هو النِّهَايَةُ وَلَكِنَّهُ بَابُ للْعُبُورِ الى الْحَيَاةِ الْأخــرة.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ السَّاعَةَ لَا شَكَّ قَائِمَةٌ، وَإِنَّ الْحَيَاةَ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا سَتَنْتَهِي، َلتَبْدَأُ حَيَاةُ الْآخِرَةِ بعدها. حيث سَيُبْعَثُ النَّاسُ مِنْ جَدِيدٍ، وَسَيُجْمَعُونَ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ في يوم الحساب وتوضع الْمَوَازِين الْقِسْط. فلا تظلم نفسُ شيئا.
فَفِي ذَاكَ اليوم َسَتَظْهَرُ جَمِيعُ النَّوَايَا وَالْأَفْعَال الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ، وَسَيُخَاطَبُ الْجَمِيعُ بِالنِّدَاءِ الْإِلَهِيِّ: “اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا!”[1]
فِي ذَاكَ الْيَوْمِ تَصْمُتُ الْأَلْسِنَةُ وَتَتَكَلَّمُ الْأَطْرَافُ. قال رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا: “اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.”[2]
وَفِي ذَاكَ الْيَوْمِ لَنْ يُظْلَمَ أَحَدٌ، وَسَتُوَفِّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ. فَلَنْ تَزُولَ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ.[3]
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ مَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِ هو أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ. وَأَنْ يَنْظُرَ لِلْحَيَاةِ عَلَى أَنَّهَا دَارٌ لِنَيْلِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ دَارٌ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ. وَأَلَّا يَحِيدَ عَنْ خَطِّ الْإِسْلَامِ الْمُسْتَقِيمِ؛ اَلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ. وَأَخْتِمُ خُطْبَتِي بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا…”
[1] سُورَةُ الْاِسْرَاۤءِ، 17/14.
[2] سُورَةُ يٰسۤ، 36/65.
[3] جَامِعُ التِّرْمِذِي، كِتَابُ صِفَةُ الْقِيَامَةِ، 1.
“خطبة الجمـعة مسجد طوكيو ” يوم اَلنَّحْرُ: فرحة وفــداء وعبـادة.(PDF)