أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
إِنَّ قَبُولَ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ وَالْأَفْعَالِ الجَمِيلَةِ فِي دِينِنَا الْإِسْلَامِيِّ الْجَلِيلِ مُرْتَبِطٌ بِالنِّيَّةِ الصَّادِقَةِ وَالْإِخْلَاصِ.وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّيَّةَ هِيَ رَأْسُ كُلِّ عَمَلٍ وَهِيَ سِرُّ الطَّاعَةِ. وَهِيَ الرَّغْبَةُ فِي نَيْلِ رِضَا الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. أَمَّا الْإِخْلَاصُ فَيَتَمَثَّلُ فِي جَعْلِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ خَالِصاً وَخَاصّاً بِاللَّهِ وَحْدَهُ فَقَطْ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرُ الْإِنْسَانِ كَظَاهِرِهِ، وَقَلْبُهُ كَالْحَالِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ مُخْلِصاً فِي إِيمَانِهِ. عندما يَمْتَثِلُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْقَائِلَةِ، “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا “[i].كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ بِالطَّاعَةِ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَسْأَلُ الْعَوْنَ وَالسَّنَدَ إِلَّا مِنْهُ سُبْحَانَهُ.
كما ويجب على الْمُؤْمِنَ ان يكون مُخْلِصٌ فِي عِبَادَاتِهِ. وَيَتَوَجَّهُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِشُكْرِهِ عَلَى نِعَمِهِ سُبْحَانَهُ بِلِسَانِهِ وَبَدَنِهِ وَقَلْبِهِ. كَمَا أَنَّهُ يُقِرُّ وَيَعْتَرِفُ بِعَجْزِهِ أَمَامَ عَظَمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَيَبْقَى مُخْلِصاً حَتَّى آخِرَ نَفَسٍ لَه، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ، “قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”[ii]
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَفَاضِلُ!
إِنَّ رَسُولَنا اللَّهِ صَلًّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: “إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ”[iii].أَجَلْ، إِنَّ الْأَعْمَالَ تَكْتَسِبُ الْقِيمَةَ بِنَاءً عَلَى النَّوَايَا. وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَنَالُ مُقَابِلَ الَّذِي يَفْعَلُهُ وِفْقاً لِنِيَّتِهِ.[iv] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي لَا يُرَافِقُهَا الْإِخْلَاصُ لَا تَكُونُ لَهَا أَيَّ قِيمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَلَا يَجِبُ أَنْ نَنْسَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْوُصُولُ إِلَى لَذَّةِ الْإِيمَانِ، وَخُشُوعِ الْعِبَادَةِ وَطُمَأْنِينَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ،وَرِضَا الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا مِنْ خِلَالِ الْإِخْلَاصُ وَالنِّيَّةُ الصَّادِقَةُ. وَأُنْهِي خُطْبَتِي بِهَذَا الدُّعَاءِ الَّذِي عَلَّمَنَا إِيَّاهُ رَسُولُنَا الْحَبِيبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اَللّهُمَّرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، اجْعَلْنِي مُخْلَصًا لَكَ وَأهْلِي فِي كُلِّ سَاعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ”[v].
[i]سُورَةُ النساء، الْآيَةُ: 36.
[ii]سُورَةُ الْأَنْعَامْ، الْآيَةُ: 162.
[iii]سُنَنُ النَّسَائِيّ، كِتَابُ الْجِهَادِ، 24.
[iv]صَحِيحُ الْبُخَارِيّ، كِتَابُ بَدْءِ الْوَحْي، 1؛ صَحِيحُ مُسْلِمْ، كِتَابُ الْإِمَارَة، 155.
[v]سُنَنُ أَبُي دَاوُد، كِتَابُ الْوِتْرِ، 25.
خطبة الجمعة مسجد طوكيو ” الْإِخْلَاصُ وَالنِّيَّةُ الصَّادِقَةُ “.(PDF)