أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْكِرَامُ!
فيِ أحد الْأَيَّامِ مَرَّ نَبِيُّنَا الْحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاِمْرَأَةٍ كانَتْ تَبْكِي وَتَصْرَخُ عِنْدَ قَبْرِ طِفْلِهَا. فَقَالَ لَهَا نَاصِحًا: “ إيَّاكِ أَنْ تَعْصِي، اِتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي“ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي لم تَتَعَرَّفَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ص مِنْ شِدَّةِ حُزْنِهَا: ” إِلَيْكَ عَنِّي! فَإِنِّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، وَلَمْ تعْرِفْهَا.” وَبَعْدَ هُنَيْهَةٍ، عِنْدَمَا أَدْرَكَتْ بِأَنَّ الَّذِي نَصَحَهَا هُوَ رَسُولُنا الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْ إلى بَابَ النَّبِيِّ الْحَبِيبِ ص وَأَعْلَنَتْ اِعْتِذَارَهَا. فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَعْطَى نَبِيُّ الرَّحْمَةِ صَلَّوات ربي وسَلَامُهُ عَليه ، اِلَيْهَا وَلَنَا النَّصِيحَةَ الْمُوجَزَةَ التَّالِيَةَ فقال: “إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى“[i]
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْأَعِزَّاءُ!
بِالطَّبْعِ لاَ أَحَدٌ مِنَّا يَرْغَبُ فِي مُوَاجِهَةِ الصُّعُوبَاتِ والأزمات. وَلَكِنْ كَمُؤْمِنِينَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّحَظَاتِ الْجَمِيلَةِ وَالْأَوْقَاتِ الْمُضْطَرِبَةَ في حَيَاتِنَا، كِلْتَاهُمَا جُزْءٌ مِنْ اِمْتِحَانِنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا. لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَمْتَحِنُ عِبَادَهُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ فأَحْيَانًا عَنْ طَرِيقِ أَخْذِ مَا لَدَيِهِم وَأَحْيَانًا مِنْ خِلاَلِ إِعْطَاءِ الْكَثِيرِ مِنَ النِّعَمِ الزِائدة عن الحَاجَة. وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَوَّلاً أَنْ نُحَاوِلَ التَّحَلِّيَ بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ وَاْلكَوَارِثِ وَالصَّدْمَةِ الأُولَى بَدَلاً مِنَ التَّمَرُّدِ وَالْغُلُوِّ وَالْعِصْيَانِ. ثَانِيًا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَصَرَّفَ برَجَاحْةِ الْعَقْلِ وَحَصَافَةِ الرَّأْيِ مع الْبَصِيرَةِ، ولاَ بُدَّ من الْوَفَاءُ بِمَسْؤُولِيَّاتِنَا لِلتَّغَلُّبِ عَلَى الشَّدَائِدِ والأزمَات.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْكِرَامُ!
يَقُولُ نَبِيا الْحَبِيبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَتْ خَيرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فَكَانَتْ خَيْرًا لَهُ “[ii]
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأَعِزَّاءُ!
عَلينَا أن لاَ نُحَوِّلُ مُعَانَاتَنَا إِلَى الْعِصْيَانِ والتَذَمُرِ وَالْاِضْطِهَادِ. وَلاَ نَنْسَى أَنَّ مَوْقِفَنَا الثَّابِتِ وَالصبر على صُعُوبَاتِ حَيَاتِنَا سَوْفَ يَكُونُ نَذِيرًا وَبَشِيرَ خيـرٍ لِأَيَّامٍ يُـسْـرَ بِإِذْنِ للهِ. ولَقَدْ جِئْنَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ لِكَيْ نُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَنَعْمَلَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحة. ودَعُونَي أَذَكَّركمُ بهَذَا الْحَدِيثَ التَّالِي اَلَّذِي يَعِدُ بِالْأَمَلِ وَالأجرِ حالَ الصبرٍ والبَلاءْ قال ص: ” مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا “[iii] إِذًا فلا نَيْأَسْ وَلاَ نَقْنُطْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
[i] صَحِيحُ الْبُخَارِيُّ، كِتَابُ الْجَنَائِزِ، رَقَمُ الْحَدِيثِ 31
[ii] صَحِيحُ مُسْلِمٍ، كِتَابُ الزُّهْدِ، رَقَمُ الْحَدِيثِ 64
[iii] صَحِيحُ الْبُخَارِيُّ، كِتَابُ الْمَرْضَى، رَقَمُ الْحَدِيثِ 1
“خطبة الجمعة مسجد طوكيو ” مَوْقِفُ الْمُؤْمِنِ فيِ مُوَاجِهَةِ الْكَوَارِثِ .(PDF)